الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الإتقان في علوم القرآن (نسخة منقحة)
.فَائِدَةٌ: (الشَّكْلُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ): كَانَ الشَّكْلُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ نُقَطًا، فَالْفُتْحَةُ نُقْطَةٌ عَلَى أَوَّلِ الْحَرْفِ، وَالضَّمَّةُ عَلَى آخِرِهِ، وَالْكَسْرَةُ تَحْتَ أَوَّلِهِ، وَعَلَيْهِ مَشَى الدَّانِيُّ.وَالَّذِي اشْتُهِرَ الْآنَ الضَّبْطُ بِالْحَرَكَاتِ الْمَأْخُوذَةِ مِنَ الْحُرُوفِ، وَهُوَ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْخَلِيلُ وَهُوَ أَكْثَرُ وَأَوْضَحُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ.فَالْفَتْحُ شَكْلُهُ مُسْتَطِيلَةٌ فَوْقَ الْحَرْفِ، وَالْكَسْرُ كَذَلِكَ تَحْتَهُ، وَالضَّمُّ وَاوٌ صُغْرَى فَوْقَهُ. وَالتَّنْوِينُ زِيَادَةُ مِثْلِهَا، فَإِنْ كَانَ مُظْهَرًا وَذَلِكَ قَبْلَ حَرْفِ حَلْقٍ رُكِّبَتْ فَوْقَهَا، وَإِلَّا جُعِلَتْ بَيْنَهُمَا.وَتَكْتُبُ الْأَلِفُ الْمَحْذُوفَةُ وَالْمُبْدَلُ مِنْهَا فِي مَحَلِّهَا حَمْرَاءَ، وَالْهَمْزَةُ الْمَحْذُوفَةُ تُكْتَبُ هَمْزَةً بِلَا حِرَفٍ حَمْرَاءَ أَيْضًا، وَعَلَى النُّونِ وَالتَّنْوِينِ قَبْلَ الْبَاءِ عَلَامَةُ الْإِقْلَابِ (م) حَمْرَاءُ، وَقَبْلَ الْحَلْقِ سُكُونٌ، وَتُعَرَّى عِنْدَ الْإِدْغَامِ وَالْإِخْفَاءِ، وَيُسَّكَنُ كُلُّ مُسَكَّنٍ، وَيُعَرَّى الْمُدْغَمُ، وَيُشَدَّدُ مَا بَعْدَهُ إِلَّا الطَّاءِ قَبْلَ التَّاءِ، فَيُكْتَبُ عَلَيْهِ السُّكُونَ نَحْوَ: {فَرَّطْتُ} [الزُّمَر: 56]. وَمَطَّةُ الْمَمْدُودِ لَا تُجَاوِزُهُ..فَائِدَةٌ: (قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: جَرِّدُوا الْقُرْآنَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْن): قَالَ الْحَرْبِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيث: قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: جَرِّدُوا الْقُرْآنَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْن: أَحَدُهُمَا جَرِّدُوهُ فِي التِّلَاوَةِ، وَلَا تَخْلِطُوا بِهِ غَيْرَهُ.وَالثَّانِي: جَرِّدُوهُ فِي الْخَطِّ مِنَ النُّقَطِ وَالتَّعْشِير.وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْأَبْيَنُ أَنَّهُ أَرَادَ: لَا تَخْلِطُوا بِهِ غَيْرَهُ مِنَ الْكُتُبِ، لِأَنَّ مَا خَلَا الْقُرْآنَ مِنْ كُتُبِ اللَّهِ إِنَّمَا يُؤْخَذُ عَنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَيْسُوا بِمَأْمُونِينَ عَلَيْهَا..فَرْعٌ: (أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ): أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِفِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَرِهَ أَخْذَ الْأُجْرَةِ عَلَى كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ. وَأَخْرِجَ مِثْلَهُ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ.وَاخْرَجَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُمَا كَرِهَا بَيْعَ الْمَصَاحِفِ وَشِرَاءِهَا، وَأَنْ يُسْتَأْجَرَ عَلَى كِتَابَتِهَا.وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ، أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا بَأْسَ بِالثَّلَاثَةِ.وَأَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ إِنَّمَا يَأْخُذُونَ أُجُورَ أَيْدِيهُمْ.وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّة: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الْمُصْحَفِ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ إِنَّمَا تَبِيعُ الْوَرَقَ.وَأَخْرَجَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشَدِّدُونَ فِي بَيْعِ الْمَصَاحِفِ.وَأَخْرَجَ عَنِ النَّخَعِيِّ قَالَ: الْمُصْحَفُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوَرَّثُ.وَأَخْرَجَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّب: أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ.وَقَالَ: أَعِنْ أَخَاكَ بِالْكِتَابِ أَوْ هَبْ لَهُ.وَأَخْرَجَ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اشْتَرِ الْمَصَاحِفَ وَلَا تَبِعْهَا.وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ وَرَخَصَّ فِي شِرَائِهَا.وَقَدْ حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلسَّلَف:ثَالِثُهَا: كَرَاهَةُ الْبَيْعِ دُونَ الشِّرَاءِ، وَهُوَ أَصَحُّ الْأَوْجُهِ عِنْدَنَا، كَمَا صَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَنَقَلَهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ.قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الثَّمَنَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الدَّفَّتَيْنِ لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ لَا يُبَاعُ.وَقِيلَ: إِنَّهُ بَدَلٌ مِنْ أُجْرَةِ النَّسْخِ. انْتَهَى.وَقَدْ تَقَدَّمَ إِسْنَادُ الْقَوْلَيْنِ إِلَى ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، وَابْنِ جُبَيْرٍ.وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْهُمَا مَعًا.أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَا بَأْسَ بِبَيْعِ الْمَصَاحِفِ إِنَّمَا يَبِيعُ الْوَرَقَ وَعَمَلَ يَدَيْهِ..فَرْعٌ: (الْقِيَامُ لِلْمُصْحَفِ): قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِد: الْقِيَامُ لِلْمُصْحَفِ بِدْعَةٌ لَمْ تُعْهَدْ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ. وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي التِّبْيَانِ مِنَ اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّعْظِيمِ وَعَدَمِ التَّهَاوُنِ بِهِ..فَرْعٌ: (تَقْبِيلُ الْمُصْحَفِ): يُسْتَحَبُّ تَقْبِيلُ الْمُصْحَفِ، لِأَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَفْعَلُهُ، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى تَقْبِيلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَلِأَنَّهُ هَدِيَّةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَشَرَعَ تَقْبِيلَهُ كَمَا يُسْتَحَبُّ تَقْبِيلُ الْوَلَدِ الصَّغِير.وَعَنْ أَحْمَدَ ثَلَاثُ رُوَايَاتٍ: الْجَوَازُ وَالِاسْتِحْبَابُ وَالتَّوَقُفُ.وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِفْعَةٌ وَإِكْرَامٌ، لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ قِيَاسٌ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ فِي الْحَجَر: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ..فَرْعٌ: (تَطْيِيبُ الْمُصْحَفِ): يُسْتَحَبُّ تَطْيِيبُ الْمُصْحَفِ، وَجَعْلُهُ عَلَى كُرْسِيٍّ، وَيَحْرُمُ تَوَسُّدُهُ لِأَنَّ فِيهِ إِذْلَالًا وَامْتِهَانًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَكَذَا مَدَّ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي الْمَصَاحِفِ، عَنْ سُفْيَانَ: أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ تُعَلَّقَ الْمَصَاحِفُ، وَأَخْرَجَ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: لَا تَتَّخِذُوا لِلْحَدِيثِ كَرَاسِيَّ كَكَرَاسِيِّ الْمَصَاحِفِ..فَرْعٌ: (تَحلية الْمُصْحَفِ): يَجُوزُ تَحْلِيَتُهُ بِالْفِضَّةِ أَيِ الْمُصْحَفُ إِكْرَامًا لَهُ عَلَى الصَّحِيح.أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ تَفْضِيضِ الْمَصَاحِفِ، فَأَخْرَجَ إِلَيْنَا مُصْحَفًا فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي: أَنَّهُمْ جَمَعُوا الْقُرْآنَ فِي عَهْدِ عُثْمَانَ، وَأَنَّهُمْ فَضَّضُوا الْمَصَاحِفَ عَلَى هَذَا أَوْ نَحْوِه.وَأَمَّا بِالذَّهَبِ فَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ لِلْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ، وَخَصَّ بَعْضُهُمِ الْجَوَازَ بِنَفْسِ الْمُصْحَفِ، دُونَ غِلَافِهِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ وَالْأَظْهَرُ التَّسْوِيَةُ..فَرْعٌ: (تَعْطِيلِ بَعْضِ أَوْرَاقِ الْمُصْحَفِ): إِذَا احْتِيجَ إِلَى تَعْطِيلِ بَعْضِ أَوْرَاقِ الْمُصْحَفِ لِبِلًى وَنَحْوِهِ، فَلَا يَجُوزُ وَضْعُهَا فِي شَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْقُطُ وَيُوطَأُ، وَلَا يَجُوزُ تَمْزِيقُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْطِيعِ الْحُرُوفِ وَتَفْرِقَةِ الْكَلِمِ، وَفِي ذَلِكَ إِزْرَاءٌ بِالْمَكْتُوبِ. كَذَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ.قَالَ: وَلَهُ غَسْلُهَا بِالْمَاءِ، وَإِنْ أَحْرَقَهَا بِالنَّارِ فَلَا بَأْسَ، أَحْرَقَ عُثْمَانُ مَصَاحِفَ كَانَ فِيهَا آيَاتٌ وَقِرَاءَاتٌ مَنْسُوخَةٌ، وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ.وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ الْإِحْرَاقَ أَوْلَى مِنَ الْغَسْلِ، لِأَنَّ الْغُسَالَةَ قَدْ تَقَعُ عَلَى الْأَرْضِ، وَجَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِامْتِنَاعِ الْإِحْرَاقِ، لِأَنَّهُ خِلَافَ الِاحْتِرَامِ وَالنَّوَوِيُّ بِالْكَرَاهَةِ.وَفِي بَعْضِ كُتُبِ الْحَنَفَيَّة: أَنَّ الْمُصْحَفَ إِذَا بَلِيَ لَا يُحْرَقُ، بَلْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ وَيُدْفَنُ، وَفِيهِ وَقْفَةٌ، لِتَعَرُّضِهِ لِلْوَطْءِ بِالْأَقْدَام..فَرْعٌ: (قَوْلُ أَحَدِكُمْ مُصَيْحِفٌ وَلَا مُسَيْجِدٌ): رَوَى ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: لَا يَقُولُ أَحَدُكُمْ مُصَيْحِفٌ وَلَا مُسَيْجِدٌ مَا كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ عَظِيمٌ..فَرْعٌ: (مَسِّ الْمُصْحَفِ لِلْمُحْدِثِ): مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ تَحْرِيمِ مَسِّ الْمُصْحَفِ لِلْمُحْدِثِ، سَوَاءٌ كَانَ أَصْغَرَ أَمْ أَكَبْرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الْوَاقِعَة: 79]. وَحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِه: «لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ»..خَاتِمَةٌ: رَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: «سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرَهُنَّ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ فِي قَبْرِه: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ أَجْرَى نَهْرًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلًا، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا»..النَّوْعُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ: فِي مَعْرِفَةِ تَفْسِيرِهِ وَتَأْوِيلِهِ وَبَيَانِ شَرَفِهِ وَالْحَاجَةِ إِلَيْهِ: .مَعْنَى التَّفْسِيرِ: التَّفْسِيرُ: تَفْعِيلٌ مِنَ الْفَسْرِ وَهُوَ الْبَيَانُ وَالْكَشْفُ. وَيُقَالَ هُوَ مَقْلُوبٌ السَّفَرِ. تَقُولُ: أَسْفَرَ الصُّبْحُ: إِذَا أَضَاء.وَقِيلَ: مَأْخُوذٌ مِنَ التَّفْسِرَةِ وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يَعْرِفُ بِهِ الطَّبِيبُ الْمَرَضِ..مَعْنَى َالتَّأْوِيلِ: وَالتَّأْوِيلُ: أَصْلُهُ مِنَ الْأَوَّلِ وَهُوَ الرُّجُوعُ، فَكَأَنَّهُ صَرَفَ الْآيَةَ إِلَى مَا تَحْتَمِلُهُ مِنَ الْمَعَانِي. وَقِيلَ: مِنَ الْإِيَالَةِ، وَهِيَ السِّيَاسَةُ كَأَنَّ الْمُؤَوِّلَ لِلْكَلَامِ سَاسَ الْكَلَامَ، وَوَضَعَ الْمَعْنَى فِيهِ مَوْضِعَهُ.وَاخْتُلِفَ فِي التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيل.فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَطَائِفَةٍ: هُمَا بِمَعْنًى.وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ قَوْمٌ حَتَّى بَالَغَ ابْنُ حَبِيبٍ النَّيْسَابُورِيُّ فَقَالَ: قَدْ نَبَغَ فِي زَمَانِنَا مُفَسِّرُونَ لَوْ سُئِلُوا عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ وَأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ مَا اهْتَدَوْا إِلَيْهِ.وَقَالَ الرَّاغِبُ: التَّفْسِيرُ أَعَمُّ مِنَ التَّأْوِيلِ، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْأَلْفَاظِ وَمُفْرَدَاتِهَا، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعَانِي وَالْجُمَلِ، وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ، وَالتَّفْسِيرُ يُسْتَعْمَلُ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا.وَقَالَ غَيْرُهُ: التَّفْسِيرُ بَيَانُ لَفْظٍ لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا وَجْهًا وَاحِدًا، وَالتَّأْوِيلُ تَوْجِيهُ لَفْظٍ مُتَوَجِّهٍ إِلَى مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهَا، بِمَا ظَهَرَ مِنَ الْأَدِلَّةِ.وَقَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ: التَّفْسِير الْقَطْعُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ اللَّفْظِ هَذَا، وَالشَّهَادَةُ عَلَى اللَّهِ أَنَّهُ عَنَى بِاللَّفْظِ هَذَا، فَإِنْ قَامَ دَلِيلٌ مَقْطُوعٌ بِهِ فَصَحِيحٌ، وَإِلَّا فَتَفْسِيرٌ بِالرَّأْيِ، وَهُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ. وَالتَّأْوِيل: تَرْجِيحُ أَحَدِ الْمُحْتَمِلَاتِ بِدُونِ الْقَطْعِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى اللَّهِ.وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ التَّغْلِبِيُّ: التَّفْسِيرُ بَيَانُ وَضْعِ اللَّفْظِ إِمَّا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا، كَتَفْسِيرِ الصِّرَاطِ بِالطَّرِيقِ، وَالصَّيِّبِ بِالْمَطَرِ. وَالتَّأْوِيل: تَفْسِيرُ بَاطِنِ اللَّفْظِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْأَوَّلِ وَهُوَ الرُّجُوعُ لِعَاقِبَةِ الْأَمْرِ، فَالتَّأْوِيلُ إِخْبَارٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْمُرَادِ، وَالتَّفْسِيرُ إِخْبَارٌ عَنْ دَلِيلِ الْمُرَادِ; لِأَنَّ اللَّفْظَ يَكْشِفُ عَنِ الْمُرَادِ، وَالْكَاشِفُ دَلِيلٌ، مِثَالُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الْفَجْرَ: 4] تَفْسِيرُهُ: أَنَّهُ مِنَ الرَّصْدِ، يُقَالَ: رَصَدْتُهُ رَقَبْتُهُ، وَالْمِرْصَادُ مِفْعَالٌ مِنْهُ.وَتَأْوِيلُهُ: التَّحْذِيرُ مِنَ التَّهَاوُنِ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَالْغَفْلَةِ عَنِ الْأُهْبَةِ، وَالِاسْتِعْدَادِ لِلْعَرْضِ عَلَيْهِ.وَقَوَاطِعُ الْأَدِلَّةِ تَقْتَضِي بَيَانَ الْمُرَادِ مِنْهُ عَلَى خِلَافِ وَضْعِ اللَّفْظِ فِي اللُّغَةِ.وَقَالَ الْأَصْبِهَانِيُّ فِي تَفْسِيرِه: اعْلَمْ أَنَّ التَّفْسِيرَ فِي عُرْفِ الْعُلَمَاءِ كَشْفُ مَعَانِي الْقُرْآنِ وَبَيَانُ الْمُرَادِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِحَسَبِ اللَّفْظِ الْمُشْكَلِ وَغَيْرِهِ، وَبِحَسَبِ الْمَعْنَى الظَّاهِرِ وَغَيْرِهِ. وَالتَّأْوِيلُ أَكْثَرُهُ فِي الْجُمَلِ.وَالتَّفْسِيرُ: إِمَّا أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي غَرِيبِ الْأَلْفَاظِ، نَحْوَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ، أَوْ فِي وَجِيزٍ يَتَبَيَّنُ بِشَرْحٍ نَحْوَ: أَقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَآتَوُا الزَّكَاةَ، وَإِمَّا فِي كَلَامٍ مُتَضَمِّنٍ لِقِصَّةٍ لَا يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ إِلَّا بِمَعْرِفَتِهَا كَقَوْلِه: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التَّوْبَة: 37]. وَقَوْلُهُ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} [الْبَقَرَة: 189].وَأَمَّا التَّأْوِيلُ: فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ مَرَّةً عَامًا، وَمَرَّةً خَاصًّا نَحْوَ: الْكُفْرُ الْمُسْتَعْمَلُ تَارَةً فِي الْجُحُودِ الْمُطْلَقِ، وَتَارَةً فِي جُحُودِ الْبَارِئِ عَزَّ وَجَلَّ خَاصَّةً. وَالْإِيمَانُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي التَّصْدِيقِ الْمُطْلَقِ تَارَةً، وَفِي تَصْدِيقِ الْحَقِّ أُخْرَى. وَإِمَّا فِي لَفْظٍ مُشْتَرِكٍ بَيْنَ مَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، نَحْوَ لَفْظِ (وَجَدَ) الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْجِدَّةِ وَالْوَجْدِ وَالْوُجُود.وَقَالَ غَيْرُهُ: التَّفْسِيرُ يَتَعَلَّقُ بِالرِّوَايَةِ وَالتَّأْوِيلِ يَتَعَلَّقُ بِالدِّرَايَةِ.وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ الْقُشَيْرِيُّ: التَّفْسِيرُ مَقْصُورٌ عَلَى الِاتِّبَاعِ وَالسَّمَاعِ، وَالِاسْتِنْبَاطُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالتَّأْوِيل.وَقَالَ قَوْمٌ: مَا وَقَعَ مُبِينًا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَمُعَيَّنًا فِي صَحِيحِ السُّنَّةِ سُمِّيَ تَفْسِيرًا، لِأَنَّ مَعْنَاهُ قَدْ ظَهَرَ وَوَضَحَ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَرَّضَ إِلَيْهِ بِاجْتِهَادٍ وَلَا غَيْرِهِ، بَلْ يَحْمِلُهُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي وَرَدَ لَا يَتَعَدَّاه.وَالتَّأْوِيل: مَا اسْتَنْبَطَهُ الْعُلَمَاءُ الْعَالِمُونَ لِمَعَانِي الْخِطَابِ، الْمَاهِرُونَ فِي آلَاتِ الْعُلُوم.وَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمُ الْبَغْوَيُّ وَالْكَوَاشِيُّ: التَّأْوِيل: صَرْفُ الْآيَةِ إِلَى مَعْنَى مُوَافِقٍ لِمَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، تَحْتَمِلُهُ الْآيَةُ، غَيْرَ مُخَالِفٍ لِلْكِتَابِ وَالسَّنَةِ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ.وَقَالَ بَعْضُهُمْ: التَّفْسِيرُ فِي الِاصْطِلَاحِ عِلْمُ نُزُولِ الْآيَاتِ وَشُؤُونِهَا وَأَقَاصِيصِهَا، وَالْأَسْبَابِ النَّازِلَةِ فِيهَا، ثُمَّ تَرْتِيبِ مَكِّيِّهَا وَمَدَنِيِّهَا، وَمُحَكِّمِهَا وَمُتَشَابِهِهَا، وَنَاسِخِهَا وَمَنْسُوخِهَا، وَخَاصِّهَا وَعَامِّهَا، وَمُطْلِقِهَا وَمُقَيَّدِهَا، وَمُجَمِّلِهَا وَمُفَسَّرِهَا، وَحَلَالِهَا وَحَرَامِهَا، وَوَعْدِهَا وَوَعِيدِهَا، وَأَمْرِهَا وَنَهْيِهَا، وَعِبَرِهَا وَأَمْثَالِهَا.وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ: التَّفْسِير: عِلْمٌ يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَمَدْلُولَاتِهَا وَأَحْكَامِهَا الْإِفْرَادِيَّةِ وَالتَّرْكِيبِيَّةِ وَمَعَانِيهَا الَّتِي تُحْمَلُ عَلَيْهَا حَالَةُ التَّرْكِيبِ وَتَتِمَّاتٍ لِذَلِكَ.قَالَ: فَقَوْلُنَا (عِلْمٌ): جِنْسٌ.وَقَوْلُنَا: (يُبْحَثُ فِيهِ عَنْ كَيْفِيَّةِ النُّطْقِ بِأَلْفَاظِ الْقُرْآنِ) هُوَ عِلْمُ الْقِرَاءَةِ.وَقَوْلُنَا: (وَمَدْلُولَاتِهَا) أَيْ: مَدْلُولَاتِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ، وَهَذَا مَتْنُ عِلْمِ اللُّغَةِ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي هَذَا الْعِلْمِ.وَقَوْلُنَا: (وَأَحْكَامِهَا الْإِفْرَادِيَّةِ وَالتَّرْكِيبِيَّةِ) هَذَا يَشْمَلُ عِلْمَ التَّصْرِيفِ وَالْبَيَانِ وَالْبَدِيعِ.وَقَوْلُنَا: (وَمَعَانِيهَا الَّتِي تُحْمَلُ عَلَيْهَا حَالَةُ التَّرْكِيبِ) يَشْمَلُ مَا دَلَالَتُهُ بِالْحَقِيقَةِ، وَمَا دَلَالَتُهُ بِالْمَجَازِ، فَإِنَّ التَّرْكِيبَ قَدْ يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ شَيْئًا، وَيَصُدُّ عَنِ الْحَمْلِ عَلَيْهِ صَادٌّ، فَيُحْمَلُ عَلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَجَازُ.وَقَوْلُنَا: (وَتَتِمَّاتٍ لِذَلِكَ) هُوَ مِثْلَ مَعْرِفَةِ النَّسْخِ، وَسَبَبِ النُّزُولِ، وَقِصَّةٍ تُوَضِّحُ بَعْضَ مَا أُبْهِمَ فِي الْقُرْآنِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: التَّفْسِير: عِلْمٌ يُفْهَمُ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَانَ مَعَانِيهِ وَاسْتِخْرَاجِ أَحْكَامِهِ وَحِكَمِهِ، وَاسْتِمْدَادِ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ وَالتَّصْرِيفِ، وَعِلْمِ الْبَيَانِ، وَأُصُولِ الْفِقْهِ، وَالْقِرَاءَاتِ، وَيَحْتَاجُ لِمَعْرِفَةِ أَسْبَابِ النُّزُولِ وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخ.
|